الإيقاع في شعر الحماسة (إبن هانئ – أبو تمام – المتنبي)

الإيقاع في شعر الحماسة

الإيقاع يكون على مستويين: داخلي و خارجي.

أ- الإيقاع الخارجي:

+) البحر :

البحور الأكثر استخداما في القصائد ذات النزعة الحماسية هي البحور الطويلة ، كالطويل و المديد و الكامل و الوافر و البسيط وهي تستخدم غالبا للأغراض الرصينة ذات الموضوعات الهامة والمواقف الجادة ، كالمدح و الفخر و الرثاء ، وهي الأغراض التي تتخللها المقاطع الحماسية عادة ؛ و قلما تستعمل البحور الخفيفة مثل الرمل و الهزج و الخفيف في قصائد الحماسة. 

+) القافية :

القافية هي مجموعة من الحركات و السكنات من آخر ساكن في البيت إلى الحركة السابقة للساكن الذي قبله مثل قول المتنبي :

تظنُّ فراخ الفتخ أنك زرتها — بأُمَّاتها و هي العِتاق الصَّلادِم(و)

فالقافية في هذا البيت هي {لادمو} ، و قد اشتملت على حرف « الدال » و فيه من صفات القوة ثلاث صفات : الجهر ، والشدة ، و القلقلة، و هي تجعل جرسه قويا يناسب ما يرمي إليه الشاعر من الإيحاء بصلابة خيول الممدوح و قوتها .

و هذا مثال آخر :

عليها غمام مكفهر صبيره — له بارقات جمّة و رُعودُ(و)

هو بيت لابن هانئ في وصف حرّاقات المعز لدين الله الفاطمي ، و قافيته هي { عودو} تضمنت عينا و دالا ، الأول حرف حلقي مجهور ، و الثاني حرف مجهور شديد مقلقل ، وهما حرفان يجتمعان في كلمة {رعد} الموحية بقوة الانفلاق و الدويّ الذي توصف به قذائف الحراقات الرهيبة 

مستوى الإيقاع الداخلي:

– تكرار الكلمات :

قد يتحقق الإيقاع لداخلي في البيت أو القصيدة بتكرار لفظة أو عبارة كما في قول ابن هانئ يمدح المعز لدين الله الفاطمي :

هذا المعز بن النبي المصطفى — سيذب عن حرم النبي المصطفى .

فقد كرر الشاعر المركب النعتي  » النبي المصطفى  » آخرَ الصدر و آخر العجز لإبراز معنى هام من معاني المدائح الحماسية الشيعية وهو نسب الإمام المتصل بالرسول – صلى الله عليه و سلم – وهذا يجعله حامي الحرم النبوي . و علاوة على وظيفته التعبيرية اضطلع التكرار بوظيفة إيقاعية .

– الجناس :

هو تشابه لفظين في الحروف مع اختلافهما في المعنى ، و يعتبر الجناس من الزخرف اللفظي و الإكثار منه مستهجن ، ولكن الشعراء يستعملونه لتحسين موسيقى الشعر الداخلية و خدمة المعنى و تقويته و من أمثلته في شعر الحماسة قول أبي تمام في مدح المعتصم : 

فتوح أمير المؤمنين تفتَّحتْ — لهنّ أزاهير الرُّبى و الخمائل .

فبين كلمتي « فتوح » و « تفتحت » جناس اشتقاق ، يبرز الترابط بين النصر و احتفال الطبيعة ؛ فكأن الفتح غيث نافع نزل بعد الجفاف فنشر الخصب بعد الجدب .

– التوازي التركيبي:

وهو التشابه القائم على تماثل بنيوي في البيت الشعري أو الأبيات الشعرية . ومنه قول أبن هانئ في وصف أسطول المعز لدين الله الفاطمي : 

و الحاملات و كلها محمولة — و الناتجات و كلها عذراء .

الصدر يتألف من حرف + اسم + حرف + اسم + ضمير + اسم.

العجز يتألف من حرف + اسم + حرف + اسم + ضمير + اسم .

وهذا التكرار في التركيب أشاع في البيت نغما يلائم تحمّس الشاعر و هو يتغنى بقوة الآلة الحربية التي قهر بها المعزّ أعداءه ، و يعاضد هذا التوازي في التركيب تواز بالتضاد (طباق ) بين ناتجات و عذراء ، و جناس اشتقاق بين حاملات و محمولة .

و لا يخفى أن الشاعر يهدف من وراء تكثيف ألوان الإيقاع في البيت إلى التأثير في المتلقي وتحريك إعجابه بسفن المعز التي تبدو من قبيل المعجزات. و يتأكد ذلك بالنظر في الصورة الشعرية القائمة على الطباق و الاستعارة و المتمثلة في نعت السفن بأنها ناتجات(تحمل كثيرا من الجنود) و عذراء ( لم تتزوج ) فهي ضخمة تتسع لجيش كثير. و هذه الصورة قرآنية استوحاها الشاعر من سورة مريم عليها السلام .

و هذا مثال آخر من التوازي التركيبي من شعر أبي تمام:

ومن كان بالبيض الكواعب مغرما — فما زلت بالبيض القواضب مغرما 

ومن تيمت سمر الغواني و أدمهــا — فما زلت بالسمر العوالي متيّـمـــــا 

قال أبو تمام هذين البيتين في مدح أبي سعيد الثغري و استعمل فيهما ألوانا من الإيقاع منها التوازي التركيبي التام بحيث يشكل البيتان وحدة إيقاعية تبرز وحدة الدلالة . و منها التكرار اللفظي ( مغرما / مغرما – تيمت متيما – سمر / سمر) والجناس التام (بيض/ بيض- سمر / سمر) ، و تماثل البنى الصرفية ( كواعب / قواضب – عوالي / غواني) . و مقصد الشاعر في البيتين هو التركيز على تفرّد ممدوحه بخصلة حربية هي الشغف بالسلاح الجيد الذي يدل على ولع بالحرب . و الإيقاع المكثف في البيتين يشدّ انتباه المتلقي و يحمله على نشدان المعنى.